The Initiative To Eliminate Statelessness

The Initiative To Eliminate Statelessness

سوريات في انتظار إنصافهن, في المنفى والوطن يقفن على أعتاب فقدان الحقوق والمستندات في انتظار المساواة

علا الحريري || تحقيق صحفي
اللوحة : ولاء طرقجي

تروي أمهات سوريات في المنفى القصة نفسها بفصول متشابهة ومعاناة موحدة لرحلة تعب طويلة تبدأ من أمنية الحصول على أوراق تعترف بوجود أطفالهن\ طفلاتهن، ولا تنتهي بالحلم بوطن يأويهم/ن بعد أن أطلق عليهم/ن قانون جائر حكم الغرباء وهم/ن في أحضان أمهاتهم. 

وضعت الحرب النساء السوريات بشكل خاص أمام تحديات صعبة، خاصة في دول اللجوء عندما غاب دور الرجل في حياتهن تماماً سواء عمداً أم قسراً، فالكثير منهن تروي قصصا بطولية كان الرجل فيها غائبا بشكل تام ما دفع بهن إلى تولي كامل المسؤولية من رعاية أطفالهن\ طفلاتهن والبحث عن عمل فيما كان الأصعب من كل ذلك عجزهن عن تأمين وضع قانوني للأبناء والبنات تبدأ من أوراق ثبوتية وصولاً إلى حقهن بمنح الجنسية السورية لهم.

سوريات بالمنفى في مواجهة المجهول

تروي السورية (أ.ح) لمعدة التحقيق معاناتها في استخراج أوراق ثبوتية لأطفالها بعد مقتل زوجها تحت التعذيب في سجون النظام، وتقول بأنها لا تملك سوى هوية سورية خاصة بها وليس لديها أي ثبوتيات تخص زوجها.  

وتشر ح (أ.ح) معاناتها ومخاوفها بالقول: “أعيش في تركيا مع ابنتي وابني الصغار، وأعمل في مشغل خياطة لتأمين لقمة العيش، وقد حاولت مراراً التواصل مع سماسرة داخل سوريا لإصدار شهادة وفاة لزوجي الذي توفي تحت التعذيب، وتسجيل أطفالي بشكل رسمي لدى النظام، لكن دون جدوى”، وتضيف أنها فقدت معظم أوراقها الثبوتية بما فيها عقد زواج ديني غير مثبت في الدوائر الحكومية سابقا، بسبب إغلاق دائرة النفوس في المنطقة التي تنحدر منها بعد اندلاع الثورة على أمل تسجيله لاحقاً، الأمر الذي لم تستطيع تحقيق مع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية، خاصة بعد تعرض منطقتها للقصف ودمار منزلها ولاحقاً اعتقال زوجها من قبل ميليشيا تابعة للنظام، فاضطرت للهرب  مع طفلها وطفلتها من ريف حلب الى تركيا، حيث أقامت في مخيم الإصلاحية بولاية غازي عنتاب.

وتضيف

” فكرة عدم امتلاكي حالياً لأوراق ثبوتية كابوس يؤرقني، فأطفالي الآن لا يملكون الجنسية السورية، ولا أعرف “ماذا أفعل” تقول السيدة الثلاثينية السورية، لمعدة التحقيق خلال لقائها معها عبر السكايب.

 تتلخص مشكلة هذه السيدة بحرمان أطفالها من الجنسية السورية، أو أمل حصولهم عليها مستقبلا، ففي ظل عدم تثبيت واقعة الزواج والأطفال يبقى مصير أطفالها مجهولاً، ومن غير المعروف حتى الآن كيف سيتم التعامل قانونياً مع هذه الحالات حتى في حال حصول انتقال سياسي في سوريا يتيح للمعارضين العودة.

ومع هذه المعاناة ترغب أ.ح بالعودة للعيش في سوريا لكن فكرة عدم الإعتراف بأطفالها تشكل قلقا مستمراً لها، في ظل غياب الحلول لتسجيل أطفالها لأبيهم السوري المتوفي.

سوريات ينجبن أطفال غرباء

اضطرت العشرينية (ر.س) إلى دفع مبالغ نقدية رغم تدني وضعها المادي في تركيا لمحاولة إصدار بطاقة حماية مؤقتة أو ما يعرف بالـ”كمليك ” لابنتها بعد انفصالها عن زوجها المقيم في ولاية أورفا.

وتضيف (ر.س) أنها انتقلت للعيش مع زوجها في ولاية أورفا عند زواجها في عمر الـ 18 ونقلت آنذاك بطاقة الكمليك الخاصة بها إلى ولاية زوجها، لكنها عادت للعيش مع أهلها في اسطنبول بعد انفصالها مباشرة.

حاولت (ر.س) مراراً إرجاع بطاقة الكمليك إلى ولاية إسطنبول لكن دون جدوى بسبب قرار السلطات التركية بمنع نقل النفوس وتغيير الولاية، وهي الآن أمام مشكلة إما أن تعود إلى ولاية طليقها لإصدار كملك خاص بطفلتها التي تبلغ عامان وإما أن تضطر للعيش بشكل مخالف وأن تحرم ابنتها من بطاقة الكمليك حيث تعيش مع أهلها الذين يتكفلون بنفقاتها.

تقول ر.س لمعدة المادة “حرمان طفلتي من بطاقة الحماية المؤقتة التي تمنحها السلطات التركية إلى السوريين الهاربين من الحرب سيؤدي من حرمانها  كلّ الحقوق الأساسية من صحة وتعليم وتسجيل وثائق وغيرها”.

تسعى (ر.س) للحصول على بطاقة الحماية المؤقتة لابنتها بالرغم من أنها تعرف تماماً أنها لا تغنيها من تسجيل ابنتها في سوريا، الأمر الذي يعتبر شبه مستحيل مع عدم اعتراف زوجها بابنتهما وعدم امتلاكها لعقد الزواج، ليبقى شبح خطر انعدام الجنسية يطارد ابنتها.

جنسيتي من حق طفلي

منى. ن سيدة سورية في عقدها الثالث، لا تعلم كيف ستسدد مبلغ 2000 دولار استدانته لقاء أتعاب لسمسار معاملات في محاولة لتسجيل ابنها في سوريا الذي يبلغ من العمر ثمانية سنوات، بعد أكد لها أنه يستطيع تسجيله رغم أن القانون لا يتيح ذلك، حيث تروي منى معاناتها لمعدة التحقيق ” تزوجت من رجل تركي منذ 8 سنوات وبعد عامين توفي زوجي، ومنذ ذلك الوقت وأن أريد الانتقال إلى العيش مع أهلي في سوريا في ظل الظروف المعيشية الصعبة، لكن أخاف من أن يحرم طفلي من حقوقه الأساسية في سوريا من صحة وتعليم وحقوق كونه تركي وليس سوري.

وتضيف منى.ن  ” ليس لدي معيل في تركيا, ولا اعمل بشكل دائم, بينما في سوريا يوجد لدي عائلة كبيرة ستساعديني في تربية ابني اليتيم، لكني أخاف من معاملته كأجنبي في سوريا” وتتساءل منى لاماذا تحرم الأم السورين من منح جنسيتها لابنائها/بناتها طالما يعتبر حق اساسي من حقوقها؟.

ورغم أن الدستور السوري ينص في المادة (25) منه على أن “المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات” والمادة (15) منه تنص على أن “لكل فرد حق بالتمتع بجنسية ما ولا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته تعسفاً ولا من حقه بتغييرها”.

إلا أن المرسوم التشريعي رقم 276 لا يمنح أبناء/بنات المرأة السورية المتزوجة من أجنبي الجنسية السورية إلا في حالات استثنائية وشروط معينة، كأن يكون الطفل ولد في سوريا مع عدم القدرة على تحديد أبيه، أو من خلال المراسيم الاستثنائية، بينما يعطي الأب السوري الحق التلقائي بمنح جنسيته لابنائه/بناته دون أي شروط.

المخاوف عند المواليد الجدد

مشكلة أخرى تؤرق السوريين وهي ظهور جيل جديد من المواليد السوريين غير حاملين للججنسية السورية، حيث يقول مدير تجمع المحامين السوريين في تركيا المحامي غزوان قرنفل “:انعدام الجنسية هي حالة من أخطر الحالات لأن ذلك يعني عدم الوجود القانوني للشخص فهذه الحالة خطيرة جدا، وذلك لا يعني أنها لا تتطلب حلول لأن الطفل الذي ولد في تركيا يمتلك وثيقة وبالتالي يمكن تسجيل هذه الولادة في القنصلية السورية في إسطنبول حيث يتم تسجيلهن كمواليد سوريين ولدوا على الأراضي التركية  وممكن أن يساعد ذلك في تسجيلهم بشكل رسمي في النفوس السورية عندما يكون هناك حل سياسي”.

ويضيف ” أي تسجيل يتم خارج مناطق سيطرة النظام ليس له قيمة قانونية فعلية ولكن من الضروري أن يتم تسجيلهم في سجلات خاصة للولادات الجديدة تفتتح خصيصا من قبل حكومة الإنقاذ أو حكومة شمال شرق سوريا قسد والحكومة المؤقتة ويتم قيدها ونقلها مستقبلا لحصولهم على الجنسية السورية”.

الأوراق الثبوتية حق للاجئين

ويؤكد مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بسام الأحمد: “من المهم معرفة بأن الجنسية السورية يتم اكتسابها عن طريق الآباء وليس عن طريق الأمهات ويوجد مطالبات خجولة لبعض المنظمات السورية والنسوية ومنظمات المجتمع المدني بحق منح الأم السورية الجنسية لأطفالها”.

ويعود ذلك لفقدان أو اختفاء عدد كبير من الرجال سواء قتلوا بالعمليات العسكرية أو في عداد المعتقلين والمفقودين تحت التعذيب أثر ذلك على أطفالهم خاصة في دول الجوار بشكل مباشر حيث لم يتم تسجيل وفاة الأب والعمل على أورق الأطفال حتى يحصلوا على الجنسية السورية بشكل تواتري في المستقبل”.

ويضيف “في المادة 28 في قانون الاحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 لا يجوز تسجيل مولود من زواج غير مسجل أصولا” حيث تكون هنا المشكلة مركبة فهناك الكثير من السوريين نزحوا وتزوجوا في مخيمات اللجوء ودول الجوار ولم تسنح لهم الفرصة في تثبيت هذا الزواج سواء في السلطات المحلية أو في السفارات السورية”.

وعدا عن مشكلة فقدان الأوراق الثبوتية كعقود الزواج  وشهادات الميلاد بسبب القصف والتهجير مما يعني تعرض الأطفال لخطر انعدام الجنسية. ويستطرد “هذه المشكلة لن يتم حلها إلا بوجود حل سياسي حتى يتمكن الناس من التواصل مع السفارات والقنصليات السورية في دول اللجوء والحصول على الأوراق اللازمة التي تقضي بمنح الجنسية السورية”.

ويضيف “يعتبر انعدام الجنسية من أخطر الحالات خاصة بالنسبة للاجئين في تركيا او مصر او العراق او لبنان وغيرها من دول اللجوء والأهم أن يقوم النظام بتحييد هذه القضية وعدم استخدام الأوراق الثبوتية كسلاح ضد المعارضين واعتبار الأوراق الثبوتية حق للاجئين لا يمكن التنازل عنه كما يجب إصدارهم بأسعار منطقية وعدم استغلال اللاجئين بدول اللجوء بطلب أسعار غير منطقية مقابل إصدار جواز سفر أو عن طريق السماسرة التي تطلب أيضا اسعار خيالية مقابل تسجيل الزواج أو الولادة”.

ربـع الأسـر السـورية اللاجئـة دون آبـاء

ويوثق تقرير نشرته الأمم المتحدة بعنوان “معالجة حالات انعدام الجنسية  في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا” أنه ” حوالـي 300,000 طفـل سـوري قـد ولـدوا فـي المنفـى لاجئيـن؛ كمـا أن 709,000 طفـل سـوري لاجـئ هـم تحـت سـن الرابعة الآن منـذ ولادتهـم أثنـاء الصـراع الدائـر فـي سـورية، وفـي حيـن أن الغالبيـة العظمـى مـن هـؤلاء الأطفـال يحملـون الجنسـية السـورية، مـن الملاحـظ أن الأطفـال السـوريين اللاجئيـن يحصلـون علـى الجنسـية مـن خـلال آبائهـم حصريـاً وعليـه، فـإن مـن المقلـق حقّـاً أن الصـراع قـد تـرك ربـع الأسـر المعيشـية السـورية اللاجئـة دون آبـاء ليشـهدوا علـى جنسـية أطفالهـم”.

حيث نوه التقرير بأن هؤلاء الأطفال معرضون لخطر انعدام الجنسـية كونهم تُركوا دون وثائـق قانونيـة تثبـت نسـبهم لوالديهـم.

كما أكد التقرير أنه منـذ عـام 2012، أّدى احتـدام الصـراع وغيـاب الاسـتقرار إلـى ظهـور مخاطـر جديـدة لانعـدام الجنسـية بيـن النازحيـن والسـكان المســتضعفين، وفــي الوقــت نفســه، أدى إلــى تعريــض المجموعــات الحاليــة مــن عديمــي الجنســية إلــى المزيــد مــن الصعوبــات والشــكوك، فبعد هــذه الأزمـة أصبــح نصــف ســكان ســورية نازحيــن والعديــد منهــم منفصــل عــن أفــراد عائلتــه، ودون وثائــق أساســية للتعريــف بهــم، وبروابطهــم العائليــة أو جنســيتهم.

ويضع التمييز في قانون الجنسية بين الرجل والمرأة الطفل السوري في خطر انعدام الجنسية، فمع نزوح عدد كبير من السوريين، انتشرت ظاهرة زواج السوريات من أجانب، فيما كان هناك حالات عديدة لا يمكن إثبات أن أب الطفل سوري الجنسية إذ قد يكون الزواج غير مثبت؛ أو تكون وثائق الزواج أتلفت أو حدث فقدان أو وفاة للزوج.

وفي ظل واقع معاناة السوريين بشكل عام في سوريا والمنفى تعاني النساء السوريات من ظروف إضافية تعقد حياتهن وحياة أطفالهن وطفلاتهن، من خلال حرمان المرأة السورية منح الجنسية لأبنائها/ بناتها وغياب ثبوتيات الزواج والولادة من سوريين أو غيرهم.

ومع استمرار هذه الحال تستمر معاناة السوريات وأطفالهم من أن يصبحوا مستقبلا غرباء ومعدومي الجنسية، يبقى القلق والخوف من المجهول يثقل كاهل نساء سوريات تُركن لمصيرهن.

تم انتاج هذه المادة ضمن برنامج تدريب الصحفيات بالتعاون بين مبادرة القضاء على انعدام الجنسية وشبكة الصحفيات السوريات بدعم من مؤسسة EED