The Initiative To Eliminate Statelessness

The Initiative To Eliminate Statelessness

معاناة المرأة في ظل غياب الوثائق الرسمية

هناء الخصر || تحقيق صحفي

اللوحة : ولاء طرقجي

بعد مرور ثلاثة عشر عامًا على النزاع في سوريا، يظهر بوضوح أن النساء لم يكنّ بمأمن من تداعيات هذا الصراع، بل يمكن القول إنهن كنّ الفئة الأكثر تأثراً بنتائجه وتأثيراته، وقد شهد العقد الماضي سلسلة من عمليات النزوح والتهجير الجماعي، مما تسبب في تراكم العواقب السلبية المباشرة وغير المباشرة على حياة النساء، فوجدن أنفسهن ضحايا لتداولات النزاع الذي عزز ممارسات العنف الجنسي والجنساني ضدهن إلى جانب تسلط الأعراف الثقافية والأبوية، مما قلل من  قدرة النساء على التمتع بحقوقهن الأساسية، التي كانت محدودة بالفعل قبل بدء النزاع.

إحدى القضايا الرئيسية التي تواجه النساء وخاصة ربات الأسر، هي صعوبة تأمين تسجيل المواليد ومنح الجنسية لأطفالهن وطفلاتهن الذين يواجهن/ون خطر انعدام الجنسية، مما يجعلهن/م معرضات/ين لخطر عدم الاعتراف بوجودهن/م القانوني كمواطنين ومواطنات سوريات، وهذا الوضع يزيد من الضغوط على الأسر التي يكون للنساء دوراً رئيسياً في رعايتها.

فقد أسهم النزاع في سوريا بشكل كبير في زيادة مخاطر الاختفاء القسري، سواء للنساء أو الرجال، على الرغم من أن الغالبية العظمى من حالات الاختفاء القسري كانت من نصيب الرجال وأرباب الأسر. إلا أن هذا الاختفاء ترتب عليه عواقب وخيمة على النساء السوريات، خاصة فيما يتعلق بالحصول على الأوراق والوثائق الرسمية.

وثائق لا قيمة لها إلا في مناطق شمال سوريا

في مناطق شمال سوريا التي تخضع لسيطرة قوات المعارضة، تواجه النساء تحديات جسيمة في عملية تسجيل أطفالهن، حيث يُعتبر تسجيل الزواج شرطًا أساسيًا لتسجيل المواليد الذين يتعين إثبات نسبهن/م إلى أب سوري، فسلطات النظام السوري لا تعترف بأي وثيقة صادرة عن مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرتها بما في ذلك شهادات الزواج والولادة والوفاة، وتتضح تحديات الجنسانية بشكل أكبر في حال وفاة الزوج أو اختفائه قبل محاولة تسجيل الزواج في الدوائر الرسمية.

على الرغم من اكتفاء معظم النساء المعنيات بالوثائق الصادرة عن سلطات الأمر الواقع في الشمال السوري، إلا أن هناك حاجة ملحة في بعض الحالات للحصول على وثائق رسمية معترف بها دولياً تتعلق بالهوية الشخصية، يشمل ذلك رغبة النساء في مغادرة المنطقة أو طلب اللجوء في بلدان لا تعترف إلا بالوثائق الصادرة عن الحكومة السورية، وهنا تتحول مسألة الوثائق الرسمية المعترف بها دوليًا إلى ضرورة ملحة، ولكنها في الوقت نفسه تصبح صعبة جدًا في ظل عدم قدرة النساء على الوصول إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام لعدة أسباب منها بأن تكون المرأة معتقلة سابقة أو محسوبة بشكل أو بآخر على جهات المعارضة مما يجعل وصولها لاستخراج الوثائق أمراً صعباً للغاية.

التحول الاجتماعي والقانوني وأثره على النساء شمال سوريا.

تتنوع تحديات النساء في مناطق شمال سوريا حسب وضعهن الاجتماعي، سواء كن منفصلات أو أرامل أو زوجات معتقلين أو مختفين قسريًا، ولا تقتصر هذه التحديات على مواجهة الاستغلال الجنسي فحسب، بل تمتد أيضًا لتشمل صعوبات الحياة اليومية التي يواجهنها في سبيل تأمين معيشتهن ومعيشة أطفالهن، ويضاف إلى ذلك النظرة المجتمعية التي تفرض قيودًا تمنع المرأة من ممارسة حقوقها في العمل والتنقل بحرية، ما يجعل من تأمين حياة كريمة لها ولأطفالها أمرًا أكثر تعقيدًا.

تروي سماح (اسم مستعار) تجربتها والتحديات الهائلة التي تواجهها نتيجة عدم قدرتها على الحصول على الوثائق الرسمية الضرورية، خاصة بعد انفصالها عن زوجها عقب خروجها من المعتقل. تعكس حكايتها مدى التعقيدات والصعوبات التي تعاني منها النساء في مواجهة الحروب والنزاعات، والتي تتأثر بشكل كبير بالتحولات الاجتماعية والقانونية التي تحدث في حياتهن، تقول سماح:” تم اعتقالي في مدينة حمص عام 2013 حيث تنقلت بين الأفرع الأمنية إلى أن خرجت من المعتقل في عملية تبادل أسرى، وبعد خروجي من المعتقل انفصلت عن زوجي الذي لم يتقبل فكرة ارتباطه بامرأة معتقلة!”

لم يتم تثبيت إجراء الانفصال بشكل رسمي وقتئذ، وبسبب النزاع المستمر حتى الآن ، اضطرت سماح للنزوح عدة مرات داخل سوريا إلى أن استقر بها الحال في الشمال السوري بعد عمليات التهجير القسري، تقول سماح:” بقيت عائلتي في حمص، وكنت ضمن المهجرين قسرياً إلى شمال سوريا، حيث تزوجت للمرة الثانية وأنجبت طفلتين، ثم انفصلت عن زوجي مرة أخرى، وحالياً أعيش مع طفلتاي أعمل على رعايتهن وتأمين احتياجاتهن”

في سياق حديثها عن معاناتها، تسلط سماح الضوء على العنف الاجتماعي الذي تتعرض له كأم عازبة، تقول سماح:” بسبب وضعي الحالي تعرضت للعنف الاجتماعي بشكل كبير، من محاولات استغلال كثيرة كوني أم عازبة أعيش بمفردي مع طفلتاي، إضافة إلى التحديات اليومية التي أواجهها في العمل إلى جانب رعاية الطفلتين، وعدم القدرة على التنقل بحرية بحكم العادات والتقاليد التي تحكم المنطقة، إلى جانب غياب الجهات الرسمية التي تحمي النساء من المخاطر التي قد تتعرض لها في أي لحظة، كل هذه الأسباب دفعتني للتفكير بمغادرة الشمال السوري بحثاً عن بيئة أمنة في بلد آمن، وهنا برز أمامي التحدي الأكبر وهو الحصول على الوثائق الرسمية التي تثبت أمومتي للطفلتين”.

تعاني سماح من صعوبة تأمين الوثائق الرسمية ومحاولات الاستغلال من قبل السماسرة في مناطق الشمال السوري أو حتى السماسرة في مناطق النظام والذين يطلبون مبالغ طائلة لتأمين الوثائق الرسمية التي تحتاجها سماح حيث تقول:” إن الوثائق التي أحتاجها لا تقتصر على إثبات أمومتي للطفلتين، إنني بحاجة بالدرجة الأولى لإثبات حالة الانفصال الأولى، ومن ثم إثبات زواجي الثاني، إضافة لاستخراج دفتر عائلة وشهادات ميلاد وبيانات قيد فردية للطفلتين، وبسبب أني معتقلة سابقة وأم عازبة يتم ابتزازي بكل الطرق لدفع مبالغ طائلة لا قدرة لي عليها، عدا أنني لا اثق بأن تكون هذه الوثائق رسمية بالفعل وليست مزورة”

وفي السياق ذاته تتحدث إسراء (اسم مستعار) عن تجربتها في ظل غياب الوثائق الرسمية الشخصية، تقول إسراء:” بعد أن فقدت جميع أفراد أسرتي، خرجت إلى الشمال السوري ضمن حملات التهجير الجماعي، خرجت ولا أملك أي وثيقة تثبت هويتي الشخصية، ونظراً لصعوبة الحياة وتكاليفها، تزوجت من رجل كبير بالسن بعقد عرفي لم يتم تثبيته حتى لدى سلطات الأمر الواقع،  عدم توافر هوية شخصية لدي أدى لحرماني من أبسط حقوقي الشخصية ولا يمكنني الحصول على أي رعاية صحية أو إنسانية، إن معاناتي الأكبر تتجسد في أنني أعتبر نفسي لا شيء مجرد كائن يعيش لأنه موته لم يحن بعد”

عواقب نفسية على النساء لا تحمد عقباها

تعاني النساء المعنيات من ضغوط نفسية إضافة للضغوط الاجتماعية نتيجة انعدام الجنسية والقيود الناتجة عنها، فقد يشعرن بالعزلة والاستبعاد من المجتمع والمجتمعات التي يعيشن فيها، ويفقدن الشعور بالأمان في ظل غياب إجراءات تحمي المرأة من أي مخاطر قد تتعرض لها، كما أكدت سماح في حديثها أنفاً على محاولات الاستغلال التي تعرضت لها كونها أم عازبة وشعورها بعدم الأمان نتيجة غياب آليات المحاسبة القانونية التي تحمي النساء من أي خطر أو عنف قد تتعرض عليه، وهي نتيجة لذلك أصبح تفكيرها يتركز في البحث عن بيئة آمنة تعيش فيها بحرية مع طفلتيها.

وفي سياق التأثيرات النفسية والاجتماعية على النساء المعنيات، تناول البحث مئتان وستة وسبعون  الذي كان جزء من مبادرة القضاء على انعدام الجنسية والذي تم نشره خلال العام 2023، حيث ذكر الاستشاري في علم النفس الاجتماعي صفوان القاسم الأعراض النفسية التي تعاني منها النساء نتيجة قضية انعدام الجنسية، حيث كانت أكثر الأعراض النفسية هي القلق من المستقبل واضطرابات النوم وسهولة الغضب والاستثارة وفقدان الاهتمام بالأمور التي كانت تهمهن سابقاً، وأن بعض النساء لم يعدن يملكن الرغبة بالحياة ومعظمهن كن نساء يعانين من كافة الأعراض النفسية التي تدل على الاكتئاب الجسيم والقلق. 

إن الشعور بعدم الأمان المترافق مع الضغوط الاجتماعية والنفسية الأخرى له تأثير كبير على النساء وخاصة النساء المعنيات بخطر انعدام الجنسية، مما يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والعاطفية، إضافة إلى انخفاض التقدير الذاتي وفقدان الثقة بالنفس والخوف والاكتئاب والقلق المستمر، وفي ظل كل هذا تحاول المرأة المعنية مقاومة جميع الضغوط على أمل الحصول على الوثائق الرسمية التي تساعدها بالوصول إلى بلد أمن يحفظ كرامتها وكرامة أبنائها ويمكنها من ممارسة حقوقها وتحقيق طموحاتها الشخصية والمهنية.

حل قضية انعدام الجنسية أصبح أولوية

لا شك بأن دور المجتمع المدني قد برز خلال العقد الماضي وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وقد استطاعت بعض منظمات المجتمع المدني من القيام ببعض المبادرات وبرامج المساعدة الأساسية لدعم حقوق المرأة ومناصرة قضاياها، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يتم العمل من قبل مختلف منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية على معالجة قضية انعدام الجنسية من خلال فتح قنوات رسمية ودولية تمكن النساء القاطنات في مناطق الشمال السوري من الحصول على الوثائق الرسمية التي تحتاجها.

إن العمل على قضية انعدام الجنسية أصبح ضرورة ملحة، ويجب أن تكون ضمن أولويات عمل المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، من خلال تكثيف العمل وزيادة التواصل مع الجهات الدولية لافتتاح مكتب للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا لمعالجة هذه القضية من خلال فتح قناة مع حكومة دمشق لتيسير حصول النساء على الوثائق والأوراق الرسمية، إضافة إلى اهتمام المنظمات بتوعية النساء المعنيات بقضية انعدام الجنسية حتى يكنّ على دراية بحقوقهن والقوانين المتعلقة بالمساواة والتمييز الجنسي، ومن المهم أيضاً العمل على تشكيل مجموعات دعم للنساء اللواتي يشاركن التجربة ذاتها.

إن قضية انعدام الجنسية قضية حياة، وكما عبرت إسراء في حديثها عن إحساسها بالضياع نتيجة عدم امتلاكها لهوية شخصية، هذا الضياع جعل حياتها بلا قيمة فهي تعيش فقط بانتظار ساعة الموت!

تم انتاج هذه المادة ضمن برنامج تدريب الصحفيات بالتعاون بين مبادرة القضاء على انعدام الجنسية وشبكة الصحفيات السوريات بدعم من مؤسسة EED