اميمة محمد || تحقيق صحفي
اللوحة : ولاء طرقجي
انتشرت خلال سنوات الصراع في سوريا ظاهرة زواج السوريات من مهاجرين أجانب، توافدوا إليها بعد اندلاع الحرب منذ أكثر من عقد من الزمن، الأمر الذي نتج عنه وجود أطفال/طفلات مكتومي/ات القيد ومحرمون/ات من ممارسة حقهم في الحصول على الجنسية كغيرهم/ن من الأطفال/ الطفلات ممن ينتسبون لأهاليهم ولديهم قيود مدنية تؤهلهم للعيش ضمن الإطار الطبيعي والمعروف داخل حدود أي دولة في هذا العالم ، ولأن هؤلاء الأطفال من حقهم التمتع بالنسب والتسجيل كان لا بد من ضرورة التركيز على هذه القضية وهي قضية انعدام الجنسية والتمييز القانوني في سوريا.
عرف القانون الدولي الشخص معدوم الجنسية بأنه الشخص الذي لا يعتبر حاملا لجنسية أية دولة بموجب قانون هذه الدول، في حين نص قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1325 الصادر عام 2000 على ضرورة أخذ التدابير اللازمة المتعلقة بتعزيز مشاركة المرأة في الوساطة والحفاظ على السلام والأمن الدوليين ودمج المرأة في جميع عمليات صنع القرار وحمايتها من التمييز، ويتطلب تطبيق القرار 1325 تحقيق المساواة بين الجنسين و نهج شامل يؤمن حقوق النساء في كافة جوانب الحياة السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، حيث ألزم القرار الدول الأعضاء على ضرورة الالتزام ببنوده في تعزيز دور المرأة في جهود السلام والأمن الدولي وتمكينها للمشاركة بشكل فعال في إدارة النزاعات والمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار الدائم في العالم.
كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفق المادة 15 على أنه يحق لكل فرد التمتع بجنسية ما ولا يجوز تعسفا حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته، بينما تسببت القوانين والممارسات التمييزية في سوريا وعدم التزامها بتطبيق القرار1325 في انعدام الجنسية لعدد كبير من الأفراد، وخصوصا الأطفال/الطفلات من أمهات سوريات وآباء مهاجرين، وذلك بحسب المرسوم التشريعي للعام 1969 رقم 276 المتعلق بالجنسية العربية السورية حيث تنص المادة 34 منه على إلغاء جميع النصوص المتعلقة بالجنسية حيث لا يمكن منحهم الجنسية بناءً على تمييز قانوني ضد النساء و تقييد المرأة في الحق بإعطاء الجنسية لأطفالها، مما يشكل عدم منح النساء في سوريا امتيازات المواطنة والقدرة على المشاركة الكاملة في الحياة السياسية بناء على تمييز قانوني يعرقل تحقق المبادئ والأهداف الرئيسية للقرار 1325.
الوضع الاجتماعي لأطفال السوريات من مقاتلين أجانب
تضحي السيدة مرام (اسم مستعار) وهي من مدينة إدلب شمال غربي سوريا بمستقبل أطفالها الثلاثة بعد زواجها بمقاتل مصري منذ قرابة ثمانية أعوام جاء للقتال في سوريا بعد اندلاع الحرب وانتشار ظاهرة دخول الأجانب لقتال النظام السوري والذين تم تصنيفهم بالإرهابيين عالمياً.
تكتفي مرام باستخراج قيد مدني لطفلتها بلقيس ذات الثمان سنوات والتي بدأت رحلتها التعليمية منذ عام، حيث تم تخصيص غرفة في الشؤون المدنية للاهتمام بشؤون المهاجرين وتسيير أمورهم على حد تعبيرها، ولولا اضطرارها والضغط عليها من قبل مدرسة الطفلة لما فكرت يوماً باستخراج أي وثيقة لأطفالها، اعتقاداً منها بأن تسجيل أطفالها على قيد والدهم قد يعرض ذويه للخطر في مصر، مفسرةً لنا سبب مخاوفها على أهل زوجها الذين يتواصلون معها من حسابات وهمية قد يتم ملاحقتهم من قبل سلطات بلادهم والتي تصنف كل من يدخل سوريا إرهابياً، وقد كانت الحكومة المصرية قد اشتبهت بتواجد زوج مرام في سوريا من قبل، ما دفعهم للحجز على أملاكه، وملاحقة أي أثر له، الأمر الذي يترك مرام أمام خيار التضحية بمستقبل أطفالها والتستر على هوية زوجها الحقيقية.
لم تكمل مرام حياتها تحت سقف واحدة مع زوجها بسبب مشاكل عائلية نشبت بينهما، ما دفعها لاصطحاب طفلتها البكر والعودة إلى منزل أهلها قبل عامين من الآن وترك ولديها الأصغر سنا مع والدهم بعد زواجه من أخرى، حيث لم تسمح لها عائلتها بجلب أطفالها البقية خوفا من عدم القدرة على تأمين مصاريفهم اليومية
وفي حال فكرت في طلب حضانة للأطفال فلا يحق لها أن تأخذ أكثر من 150 ليرة تركية شهريا عن كل طفل من أطفالها كما تقتضي به المحكمة الشرعية وذلك لا يكفي مصاريف أسبوعاً واحداً من الشهر مع غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد وعدم قدرتها على استلام أي مساعدات اغاثية دون أوراق رسمية أو ثبوتيات، كما أخبرتنا.
حال مرام كحال عدد كبير من السوريات اللواتي تزوجن من مقاتلين أجانب وعرب من دول وثقافات متنوعة وأكثرهم من المصريين والجزائرين والشيشان والتركستان والأزبكستان، حيث يواجه أطفالهم/ن المحرومين/ات من الجنسية متاعب كثيرة تتمثل في حرمانهم/ن من تلقي المساعدات وخاصة في الظروف المعيشية القاسية خلال السنوات الأخيرة إضافة إلى عدم تلقي الرعاية الطبية والتعليم وغير ذلك.
يتعذر الحصول على إحصائية دقيقة لأعداد النساء السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب أو أعداد حقيقية لأطفالهن وخاصة أن غالبيتهم ليس لديهم قيود مدنية أو نسب ينتمون إليه والسبب الرئيسي في ذلك عدم كشف الآباء عن هويتهم الحقيقية لزوجاتهم والاكتفاء بذكر اللقب أو الاسم المتعارف عليه داخل الفصيل الذي ينتمي إليه في حال كان مقاتلا أو اختفائهم بشكل مفاجئ أو موتهم.
بدورها قالت الحقوقية (أمية شاكر) إن الأوراق الثبوتية التي اتجهت المحاكم الشرعية في مدينة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ إلى إصدارها مؤخرا لعائلات المهاجرين الأجانب والعرب هي مجرد وثائق شكلية تساهم في تسيير أمور أطفالهم عند تسجيلهم في المدرسة، ويحق للزوج المهاجر الذي يحمل أوراقه الثبوتية من بلد منشئه استخراج دفتر عائلة من أي محكمة في مناطق إدلب وهذا لا يعني أنها وثائق رسمية ولا يخول لصاحبها الحصول على الجنسية السورية بحسب الدستور السوري وهم حكما وقانونا مجردون من الحقوق المدنية السورية
حيل تنقذ مرة وتُغرق ألف مرة
لجأت بعض النساء السوريات لتسجيل أطفالها على قيود آبائهن أو أخوتهن أو أزواجهن الحاليين بعد وفاة أو اختفاء الزوج الأول كما حدث مع أم عمر وهي مهجَرة من مدينة حلب، وذلك بغرض قدرتهن على تطعيم أولادهن باللقاح الروتيني للأطفال في المراكز الصحية وتسجيلهم في المدارس أو التنقل بهن من منطقة لأخرى دون التعرض لخطر المسائلة من قبل الحواجز الأمنية في مناطق إدلب أو في غربي حلب في حال نقل السيدة لسكنها بحثا عن عمل أو بسبب هجمات القصف المتكررة على إدلب وأريافها بين الحين والآخر، بحسب من قابلناهن.
تعاني أم عمر من عدم قدرتها على تقبل أفكار زوجها المهاجر الأوزبكستاني الذي تزوجت منه بعد وفاة زوجها الأول وهو مهاجر أيضا ولديها طفل واحد منه تقوم بتربيته مع بقية أطفالها، حيث قامت بتسجيله باسم والدها دون علم زوجها الذي يرفض تماما تسجيل أطفاله، وتشتكي من عقلية زوجها يرفض خروجها من المنزل أو علاج أطفالها في حال مرضهم لعدم اقتناعه بالأدوية وضرورتها، كما يرفض زيارة الأطباء والمشافي، إضافة لغيابه لفترات طويلة عن المنزل وتركها تحمل مسؤولية أطفالها بإمكانيات مادية شبه معدومة حيث لا طعام ولا مال في بيتها كما قالت.
لا حلول تلوح بالأفق حتى اليوم بما يخص آلاف الأطفال السوريين من أمهات سوريات وأباء أجانب بالإضافة إلى مستقبل مجهول ينتظرهم/ن، دون أي مساع للتدخل من الجهات المحلية أو الدولية وسط عجز المجتمع المحلي عن تقديم المساندة والدعم لهؤلاء الأطفال/الطفلات ونقص في حملات التوعية والمناصرة لقضايا النساء السوريات غير القادرات على منح الجنسية لأطفالهن تحت ظروف قاسية يمر بها الناس في شمال غرب إدلب تحديداً، حيث القصف المتكرر قد يضطر العوائل للنزوح من منطقة لأخرى أكثر أمانا وسط انتشار كثيف للحواجز الأمنية التي قد تعرض النساء وأطفالهن للمسائلة عن أوراقهم الثبوتية، مما يعرضهم/ن للخطر وهذا ما يدفعهم لعدم المجازفة والتنقل بحرية والذي يعتبر تحدياً من نوع آخر تواجهه النساء وعائلاتهن ، في حين يبقى مصير هؤلاء الأطفال معلقا بانتظار تعديل المرسوم التشريعي رقم 276 من الدستور السوري ليصبح للمرأة السورية الحق بمنح الجنسية لأطفالها في هذه الحالة فقط من الممكن لهؤلاء الأطفال أن يكون لهم أوراق رسمية حقيقية.
تم انتاج هذه المادة ضمن برنامج تدريب الصحفيات بالتعاون بين مبادرة القضاء على انعدام الجنسية وشبكة الصحفيات السوريات بدعم من مؤسسة EED