ملك توما
مقال رأي
حق منح الجنسية للمواليد يعتبر من أولى إجراءات الهندسة السكانية والاعتبارية السياسية في مختلف الدول في العصر الحديث ، ضمن الثالوث المكون للدولة بحسب النظريات الحديثة في تشكيل الدول ( الأرض – السلطة – السكان) والذي تترتب عليه الحقوق والواجبات المدنية والسياسية للأفراد والذي يمنح فيه صفة المواطنة التي بدورها تنظم الانتماء الوطني بدءاً من السجل المدني الذي يُفصًّل كامل المعلومات الديموغرافية اللازمة تحت الرقم الوطني .
وعليه تصبح عملية المشاركة المدنية والسياسية في الحياة العامة واضحة المعالم، ومتاحة وفق شروط و إجراءات معينة، وما يترتب عليه أيضاً من إمكانية الحصول على كافة الحقوق كالعمل والتعليم والطبابة، ويضاف إليها حق التنقل والسفر، يحدث كل هذا تحت مسمى الجنسية التي تختلف صياغتها بحسب الأنظمة السياسية التي تحدد شكل المواطنة للسكان أو المولودين من جراء زواج بين مواطن الدولة ومواطن أجنبي من دولة أخرى .
أبناء النعجة السوداء :
في سوريا وفي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالتحديد,نلمس ممارسة إقصائية بمزاجية وانتقائية ضد فئة من السكان تتركز بحرمانهم/ن من الحصول على الجنسية لأهداف ديموغرافية وسياسية بحتة ، وبالنظر إلى الحالة السورية فهي ضمن العنف السياسي الممارس من الحكومة السورية على سكان الشمال السوري الذين لا يستطيعون تثبيت نفوسهم في سجل الأحوال المدنية منذ أكثر من عشر سنوات مضت بسبب عدم وجود أي راكز رسمية معترف بها من قبل الحكومة السورية والحكومات الأخرى، فالقليل من سكان هذه المناطق فقط من يستطيع أن يذهب بشكل مباشر لتثبيت نفوسه في مناطق النظام, حيث يبقى دائماً الخوف من الموت أو الاعتقال كونهم أشخاص غير مرضي عنهم بسبب معارضتهم السياسية لحكومة دمشق، فهم إلى يومنا هذا شعب كامل بدون أوراق رسمية ،نتيجة إما فقدانها بالحرب والنزوح أثناء القصف و الاكتفاء بالتسجيل ضمن محاكم سلطات الأمر الواقع الخاضعون تحت سيطرتها و تلك العملية لا تمنح جواز سفر أو شهادة قيادة دولية أو حق تثبيت الملكيات المنقولة فما زالت كل هذه المعاملات تحتاج إلى مصادقة من الدوائر الحكومية، إذ تعمدت السياسات الحكومية في دمشق إبعاد مصالح المواطنين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرتهم و إلغاء معاملاتهم الرسمية أو التغاضي مقابل دفع مبالغ مالية تعتبر رشاوي من أجل تسيير المعاملات الملحة لديهم
تعتبر هذه العملية الإجراءاتية واحدة من سلسلة من الملفات السياسية والديمغرافية التي تتحرك معاً من أجل التضييق السياسي على المواطنين و المواطنات ، و التي من تداعياتها الحرمان من حق الجنسية و تعطيل لرأس المال الاجتماعي و من جهة ثانية فقدان ديناميكية التأثير في الحياة العامة داخل سوريا و تحولهم إلى أشكال الهجرات الجماعية و القسرية وجاليات في دول العالم ، و عليه تصبح الهجرة غير الشرعية وخاصة إلى القارة الأوروبية خلال العقد الحالي خياراً متاحاً من أجل الحصول على جنسية بلد آخر وضمان حياة أفضل. عدا عن وجود عدد لا بأس به من السوريين و السوريات ممن حرموا من جنسيتهم الأصلية لأسباب سياسية ما قبل اشتعال الحراك الثوري بسنوات ما جعل حياتهم لا تتمتع بالأمن و الاستقرار وغير قادرين على السفر أو التوظيف الحكومي ، أو الحصول على شهادة التخرج الجامعية .
المرحلة الانتقالية :
في الختام، يظهر لنا التحدي الكبير الذي تواجهه قضية حق الجنسية في سوريا نتيجة العنف السياسي والديمغرافي الذي يعانيه السكان. لذلك، يتطلب الحل السياسي في المرحلة الانتقالية، كما هو موضح في خطة الانتقال السياسي بموجب القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أولوية قصوى لاستعادة حق كل السوريين والسوريات في الحصول على الجنسية مع كامل الحقوق المدنية والسياسية، دون شروط مقيدة. يعتبر هذا الإجراء ليس فقط رد اعتبار للعديد من العائلات السورية التي ترغب في العودة إلى الوطن لاستعادة هويتها الوطنية، بل يساهم أيضًا في بناء رأس المال الاجتماعي من جديد داخل المجتمعات المحلية.
ومن الضروري أيضًا أن يتمتع جميع السوريين والسوريات بحقوقهم المدنية والحريات العامة في الممارسة السياسية والإبداع العلمي والفكري. لذا، يجب على الحل السياسي السعي إلى التخلص من التمييز والاقصاء، وتعزيز المجتمع المتنوع والشامل، حتى تصبح رواية السلام ممكنة وتتحقق العدالة والتسامح لجميع أفراد المجتمع السوري دون تمييز أو اقصاء.
بالإضافة إلى ذلك، يبقى دور مؤسسات المعارضة الرئيسية حاسمًا في تعزيز الحلول السياسية في سوريا. لذا، يتطلب تحقيق السلام والاستقرار في البلاد تعاوناً وتكاملاً بين جهود المعارضة والتدخل الدولي، حيث يشكل هذا التكامل مفتاح النجاح لتحقيق السلام والعدالة في سوريا.
وفي النهاية، يجب علينا جميعًا العمل سويًا، سواء داخل سوريا أو على الصعيد الدولي، لإيجاد حلول شاملة ومستدامة تحقق السلام والاستقرار في سوريا، وتضمن حقوق وكرامة جميع أفراد المجتمع السوري.
تم انتاج هذه المادة ضمن برنامج تدريب الصحفيات بالتعاون بين مبادرة القضاء على انعدام الجنسية وشبكة الصحفيات السوريات بدعم من مؤسسة EED